إيلاف
ماجد الخطيب: التزمت الحكومات الألمانية المتعاقبة، المسيحية أو الاشتراكية منها، بمبدأ عدم إرسال السلاح إلى بؤر العالم المشتعلة. إلا أن التجاوزات على هذا المبدأ شملت تسليح الجيش التركي، وهذا ما حصل في عهد المستشار السابق هيلموت كول، وعهد المستشار السابق جيرهارد شرودر.
البند الخامس
كان الاشتراكيون والخضر، وهم في المعارضة، يعارضون إرسال السلاح إلى تركيا على طول الخط بدعوى استخدام تركيا هذا السلاح ضد الشعب الكردي، لكنهم سربوا شحنات أسلحة سرًا إلى تركيا، أثناء حكمهم المشترك في عهد شرودر. وإذ تؤيد الحكومة المسيحية – الاشتراكية اليوم، بقيادة ميركل، إرسال السلاح إلى الأكراد، لا يقف بوجه أكثريتها البرلمانية غير حزب اليسار وأفراد من الخضر.
وحكومة إردوغان، بعد إقرار البرلمان مشاركة الجيش التركي الحلفاء في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بما في ذلك إرسال القوات البرية، ستضع ألمانيا وجهًا لوجه أمام التزاماتها في حلف شمال الأطلسي. فاتفاقية الحلف تنص على الدفاع المشترك عن أعضاء الحلف في حال تعرّضهم للهجمات العسكرية، بحسب البند الخامس من المعاهدة.
وتم تغيير هذا البند بشكل حاسم بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، والبنتاغون في واشنطن، وصار على الدول الأعضاء في حلف الناتو إسناد بعضهم في الحرب ضد الإرهاب، وعند تعرّضهم لعمليات إرهابية. وعلى هذا الأساس، أرسلت القوات المسلحة الألمانية كتيبة ألمانية مع صواريخ باتريوت إلى تركيا لحماية حدودها من هجمات محتملة يشنها نظام بشار الأسد ضدها.
ألمانيا مزوّد تركيا بالسلاح
اعتبر حلف الناتو، منذ الاتفاقيات الأولى، ألمانيا راعية للجيش التركي وأهم دعائمه لإمدادات السلاح والدعم اللوجستي. وعلى أساس هذه الالتزامات، زوّدت ألمانيا تركيا بأسلحة حوّلت جيشها إلى قوة عالمية، يحسب لها ألف حساب. وتقدر مساعدات ألمانيا العسكرية لتركيا بمليارات الدولارات خلال العقود السابقة.
نالت تركيا أيضًا سلاحًا روسيًا بكميات هائلة بعد سقوط جدار برلين، واعادة توحيد ألمانيا. وحوّلت برلين معظم ترسانة جيش ألمانيا الشرقية إلى تركيا، كما زوّدتها بدبابات ليوبارد المختصة بالقتال في الجبال ضد حزب العمال الكردستاني.
أصبحت ألمانيا الاتحادية الممول الأساسي للجيش التركي بالسلاح المجاني منذ العام 1964، في حين تراجعت الولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية. واستطاعت تركيا بفضل هذه المساعدات المجانية أن تبني ثاني قوة عسكرية في الناتو من حيث العدد والتقنية.
وكان حلف شمال الأطلسي قرر في ذلك العام أن تتولى ألمانيا مسؤولية تمويل وتسليح بلدان الناتو الفقيرة، أي تركيا واليونان ثم البرتغال، منذ العام 1978. وتأتي هذه المساعدات في إطار اتفاقيتين وقعهما حلف الناتو مع تركيا في الثمانينات. الاتفاقية الأولى وقعت في العام 1982 بين الولايات المتحدة وتركيا، وتنص على أن تسمح تركيا للناتو بإقامة منشآت عسكرية في البوسفور، ووضعها في خدمة قوات التدخل السريع التابعة للناتو. وتنال تركيا مقابل ذلك دعمًا ماليًا وعسكريًا. والاتفاقية الثانية وقعت في العام 1984 باسم Host Support Nation، وتنص على أن تقدم تركيا دعمًا لوجستيًا لقوات الولايات المتحدة في حال استخدامها في الشرق الأوسط أو ضد الاتحاد السوفييتي.
اتفاقية الدعم والدفاع
جدد العمل بالاتفاقية الثانية في العام 1988 بعد منحها اسمًا جديدًا هو “اتفاقية الدعم والدفاع”، وتنال تركيا على أساسها دعمًا عسكريًا وماليًا من الولايات المتحدة والناتو. في ضوء الاتفاقيتين، تقدم ألمانيا لتركيا دعمًا عسكريًا قيمته 43 مليون يورو سنويًا، وبشكل دفعات، تسلم كل 18 شهرًا. وتتألف 80 بالمئة من هذه المساعدات من الأسلحة والمعدات الحديثة، و20 بالمئة من الأسلحة المستخدمة في ألمانيا. وتسدد الدولة الألمانية 80 بالمئة من أثمان هذه الصفقات مباشرة إلى شركات السلاح الألمانية من خزينة وزارة الخارجية، ولا تدخل في أية قائمة إحصائية للدولة.
لكن المساعدات الألمانية لتركيا فاقت مستوى هذه المساعدات السنوية جراء المساعدات الألمانية من النوع الخاص، والتي تأتي في إطار التعاون العسكري بين البلدين، ولا شأن للناتو بها.
أوجلان يهدد
لا توجد أي ضمانة لأن الأسلحة الألمانية التي ترسل إلى أكراد العراق لن تصل إلى أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وإذ هدد أوجلان تركيا بوقف عملية السلام إذا لم تتدخل تركيا إلى جانب الأكراد في كوباني، فإن مأزق ميركل بين تسليح الطرفين يبدو سهلًا، لكن المخاوف تتركز حول ما بعد كوباني أو عين العرب. إذ لا ضمانة على عدم استخدام الأسلحة المسلمة إلى الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني لاحقًا، كما لا توجد ضمانة على استمرار عملية السلام بين أكراد تركيا وأنقرة.
وكانت الحكومة الألمانية تشترط على أنقرة دائمًا أن لا تستخدم الأسلحة الألمانية بشكل يخرق حقوق الناس والأقليات في تركيا، وتحوّل هذا الشرط إلى شرط غير مكتوب يقف حائلًا بين تركيا وطموحاتها في نيل العضوية في الاتحاد الأوروبي، ويمكن لتسليح ألمانيا وتركيا في الوقت عينه الآن أن يعقد الصورة أكثر.
الورقة البرلمانية
دأبت الحكومات الألمانية المتعاقبة على تجاوز البرلمان الألماني في قضايا تسليح تركيا بدعوى أنها تدخل في إطار اتفاقيات حلف شمال الأطلسي، لكنها تلوّح اليوم بطرح موضوع تسليح تركيا، إذا طالبت تركيا بتطبيق البند الخامس من الاتفاقيات، على البرلمان الألماني. ويمكن للبرلمان حينها تقدير حجم المساعدات ونوعيتها، وما إذا كانت لوجستية أو سلاحية أو مالية.
هذا ما صرح به مسؤولون من حزبي السلطة الحاكمة في برلين، أي الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وهذا موقف جديد لن يعجب حكومة أردوغان رغم أن التحالف الحكومي يمتلك الغالبية البرلمانية.
ويدور في أروقة الناتو ما قد يؤكد شكوك تركيا حول إمكانية الحصول على أسلحة ألمانية جديدة. وتدور هذه الأقاويل حول ورقة أخرى بيد ألمانيا تتهرب فيها من التزاماتها الأطلسية تجاه تركيا، إذ من المحتمل أن لا يعتبر حلف الناتو تدخل تركيا في العراق وسوريا “قضية حلف”، وإنما قضية تركية بحتة. هذا قد يعفي ألمانيا من التزاماتها الأطلسية تجاه تركيا، لكنه قد يطلق يد التدخل التركي تمامًا في المنطقة، ولا شك في أن ذلك سيزيد ألمانيا حرجًا.