قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية تقول أكثرية من الأميركيين إنها غير مرتاحة لأي من مرشحي الحزبين الديمقراطي هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، وإنها غير مقتنعة بأن الرئيس الجديد سيكون قادرا على إعادة توحيد البلاد وتخفيف حدة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي. وجاء في استطلاع للرأي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” في 50 ولاية وشارك فيه أكثر من 74 ألف ناخب أن55 بالمئة من الناخبين المسجلين يعتقدون أن انتخاب كلينتون سوف يشكل خطرا على مصلحة البلاد، بينما رأى 61 بالمئة منهم أن انتخاب ترامب سوف يشكل خطرا على مصلحة البلاد.
ومساء الاربعاء شاهد الملايين من الناخبين كلينتون وترامب في جلسة حوارية مخصصة لقضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية وشؤون المحاربين القدامى، ولكن ليس في سياق مناظرة بل في لقاءين متتاليين بدا فيهما كل من المرشحين وهو يحاول ودون نجاح ملحوظ تبرير أو شرح أخطاء سابقة ومواقف متهورة ومتناقضة، وسوق المبالغات حول المزايا الشخصية، والمبالغة الى حد تشويه الحقائق. أي ان المرشحين خلال ساعة واحدة أكدا وبشكل غير مباشر مخاوف وشكوك وحتى قرف الناخب العادي من الخيارات المطروحة امامه وهو ما عكسه استطلاع صحيفة واشنطن بوست.
ولا تزال قضية البريد الالكتروني الخاص الذي استخدمته كلينتون خارج اشراف وزارة الخارجية حين شغلت المنصب، والذي استلمت عبره رسائل رسمية وسرية يشكل الحجر الكبير المعلق على رقبتها والذي سيؤخر تقدمها الى آخر يوم في السباق.
وخلال الاشهر الماضية، كانت كلينتون تقدم أجوية مقتضبة او متناقضة او غير صحيحة كلما ارغمت على مناقشة هذه القضية. اجوبتها هذه عمقت من الشكوك الموجودة اصلا بصدقيتها ونزاهتها. ولم يكن من المستغرب ان تتركز الاسئلة لكلينتون من مقدم البرنامج ومن الحضور الذين خدموا في الجندية على هذه المسألة الحساسة وما إذا كان بإمكانهم الثقة بها وبقدرتها على حماية أسرار الامن القومي في حال انتخابها.
في المقابل لا تزال الشكوك العميقة لدى أكثرية من الأميركيين بصدقية ترامب والخوف من تهوره وميله إلى المبالغات والكذب المفضوح، تشكل حجرا كبيرا معلقا برقبته ويهدد بين وقت وآخر بتقويض حملته برمتها. وعلى سبيل المثال كرر ترامب ادعاءاته بانه عارض غزو العراق، وبانه كان ضد قيام الولايات المتحدة بدور عسكري في الاطاحة بطاغية ليبيا الراحل معمر القذافي، وهي ادعاءات لا اساس لها نظرا لوجود تصريحات وتسجيلات صوتية لترامب تثبت العكس. ومرة اخرى كرر ترامب قوله إنه كان على ادارة الرئيس اوباما السيطرة على نفط العراق وليبيا بالقوة، مدعيا ان تنظيم ما يسمى “الدولة الاسلامية” (داعش) لم يكن ليخلق ويسيطر على اراض سورية وعراقية واسعة لو لم يكن قادرا على تمويل سيطرته هذه من عائدات النفط الذي سيطر عليه. الامر اللافت والمستغرب هو ان بعض الاعلاميين لا يتحدون ترامب أو الإصرار عليه بأن يشرح مثلا كيفية السيطرة على نفط دول ذات سيادة وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي، وكأن القوات المسلحة الاميركية تمارس القرصنة ونهب ممتلكات الاخرين، كما قالت هيلاري كلينتون في اليوم التالي لهذه الجلسة الغريبة.
من جهتها واصلت كلينتون نفيها أن تكون قد ارسلت او استلمت رسائل الكترونية سرية، ولجأت كالعادة الى صياغات يستخدمها المحامون في مرافعاتهم للتهرب من الاجابات المحددة، على الرغم من ان مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (الاف بي آي) جيمس كومي كان قد ناقض ادعاءات كلينتون مؤكدا انه تم بالفعل استلام وارسال رسائل صنفت لاحقا بانها سرية.
وتبين استطلاعات الرأي انه مع بدء الشوط الاخير في السباق الى البيت الابيض، هناك حالة تعادل بين المرشحين، وهو أمر يدعو للاستغراب والتساؤل وخاصة في اعقاب خسارة كلينتون للتفوق الذي احرزته في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في أواخر يوليو والذي زاد عن ثماني نقاط. وفي استطلاع لشبكة التلفزيون سي أن أن تفوق ترامب على هيلاري كلينتون بنقطتين.. ويتوقع الخبراء في الشؤون الانتخابية أن حالة التعادل هذه قد تبقى حتى موعد الانتخابات، وإن كان البعض يرى أن المناظرات بين المرشحين، والأولى سوف تجري في السادس والعشرين من الشهر الجاري يمكن ان تغير من هذا التعادل، وخاصة إذا تصرف ترامب الذي تتمحور حوله التوقعات الضئيلة، بشكل مسؤول أكثر وابتعد عن المبالغات وتوقف عن مهاجمة منافسته بطريقة شرسة واستفزازية كما فعل مساء الأربعاء.
هشام ملحم_العربية