دمشق – «القدس العربي» : للمرة الأولى رجال من النظام السوري أمام المحاكم في أوروبا بل في العالم. فقد استمع رجلان يشتبه أنهما من أفراد أجهزة أمن الرئيس السوري بشار الأسد لاتهامات بالتعذيب والاعتداء الجنسي وجهتها لهما محكمة ألمانية أمس الخميس فيما وصفها محامون بأنها أول محاكمة في جرائم حرب ارتكبها ضباط سوريون.
ويواجه أنور ر. الضابط السابق بالمخابرات السورية، الذي طلب اللجوء إلى ألمانيا قبل ست سنوات بعد أن غادر سوريا، 58 اتهاماً بالقتل في سجن بدمشق يقول مدعون إن أربعة آلاف ناشط معارض على الأقل عُذبوا به في عامي 2011 و2012.
وجلس أنور ر.، وهو أشيب ذو شاربين ويرتدي نظارات وسترة سوداء، هادئاً خلف حاجز زجاجي أُقيم ضمن قواعد الوقاية المرتبطة بأزمة تفشي جائحة فيروس كورونا. وشملت الاتهامات التي تُليت عليه اتهاماً واحداً على الأقل بالاغتصاب واتهامات عدة بالاعتداء الجنسي.
أول خطوة نحو تحقيق العدالة
ويواجه المتهم الثاني إياد أ. /43 عاماً/ اتهامات بتسهيل تعذيب 30 ناشطاً معارضاً على الأقل اعتُقلوا بعد احتجاجات مناهضة للأسد في عام 2011. وكان يغطي وجهه بغطاء رأس سترته الرمادية أثناء جلوسه بقاعة المحكمة. وكان قد وصل إلى ألمانيا في نيسان/أبريل 2018. وأعاد مترجمون فوريون التهم باللغة العربية على المتهمين اللذين عرفا باسميهما الأولين فقط وفقا لقوانين الخصوصية الألمانية.
بعد اجتماع أستانة… قوات النظام تواصل استهداف أرياف إدلب
وأثنى المؤيدون للمحاكمة على تلك الإجراءات القضائية بوصفها أول خطوة نحو تحقيق العدالة لآلاف السوريين الذين يقولون إنهم تعرضوا للتعذيب في منشآت حكومية، وذلك بعد فشل المحاولات التي استهدفت إقامة محكمة دولية بشأن سوريا. وتنفي حكومة الأسد أنها عذبت السجناء.
وقالت بيترا زيمرمان المتحدثة باسم المحكمة في كوبلنز إن الرجلين «متهمان بالانتماء لإدارة المخابرات العامة السورية». وأضافت «أنور ر. يُعتقد أنه كان رئيس وحدة التحقيقات بالإدارة 251 المسؤولة عن دمشق. ويُعتقد أن العذيب الممنهج للسجناء وقع في هذا السجن وأنه كان على علم بذلك». ويقول ممثلو الادعاء الألمان إن أنور ر. أشرف على استجوابات قبل أن يغادر سوريا في 2012. ووصل إلى ألمانيا في 2014.
ولجأ ممثلو الادعاء الألمان إلى قوانين الولاية القضائية العالمية التي تتيح لهم إقامة محاكمات عن أي جرائم ارتُكبت ضد الإنسانية في أي مكان في العالم. وقال محامون دوليون إنهم يعتقدون إنها أول دعوى قضائية من نوعها في أي مكان في العالم ضد مسؤولين في حكومة الأسد بشأن مثل هذه الجرائم. وكانت روسيا والصين قد أحبطتا المحاولات التي قامت بها قوى غربية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتنظيم محاكمة دولية بشأن سوريا. وسوريا ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وحمل أكثر من عشرة لاجئين سوريين ومدافعين عن حقوق الإنسان لافتات خارج قاعة المحكمة كُتب عليها «سوريا الأسد دولة تعذيب» و»الأسد إلى لاهاي».
ويأمل المؤيدون للمحاكمة وضحايا التعذيب في أن تفتح المحاكمة الباب أمام إجراءات قضائية مماثلة في دول أوروبية أخرى مثل النرويج التي لها قوانين نفسها الولاية القضائية العالمية ويعتقد أن أعضاء سابقين بأجهزة الأمن السورية يعيشون على أراضيها.
وقال المحامي باتريك كروكر رئيس المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، الذي يدعم 16 سورياً في المحاكمة، «كان تحديا كبيرا لموكلينا أن يخرجوا إلى النور ويتحدثوا عن هذه الجرائم لأول مرة على الإطلاق». وأضاف «نأمل أن يصل صوتهم إلى مختلف أرجاء العالم وأن تكون هناك محاكمة أولى نأمل أن توجه إشارة لدمشق».
ميدانياً، جددت قوات النظام السوري قصفها الصاروخي على مناطق جنوب إدلب، شمال غربي البلاد، بالتزامن مع تحليق لطائرات استطلاع روسية في أجواء المنطقة، وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب ومحيطها، دخل يومه الـ 49 على التوالي، بتوقف متواصل للقصف الجوي من قبل طائرات النظام والروس الحربية والمروحية، لكن الخروقات البرية لا تزال متواصلة بشكل يومي.
القصف تزامن اجتماع الثلاثي لضامني أستانة
وقال المرصد إنه رصد قصفاً صاروخياً نفذته قوات النظام على الفطيرة بجبل الزاوية، وسط استهدافات متبادلة بالرشاشات الثقيلة بينها وبين الفصائل على محور فليفل جنوب إدلب، بدون معلومات عن خسائر بشرية، في حين تواصل طائرات استطلاع روسية تحليقها في أجواء الريف الجنوبي من مدينة إدلب.
واستهدفت قوات النظام كلاً من كنصفرة والفطيرة في جبل الزاوية، تزامنا مع قصف صاروخي من قبل القوات التركية، استهدف مواقع لقوات النظام في ريف حلب الغربي، ردا على قصف قوات الأخيرة المتمركزة في الفوج 46 مناطق كفر عمة والقصر وكفرتعال ومحيط قرية كفرنوران في ريف حلب الغربي.
القصف المتبادل تزامن مع إعلان نتائج الاجتماع الثلاثي لضامني أستانة، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الروسية، أن مسار أستانة يلعب دوراً ريادياً في الملف السوري، وأكدت في بيان رسمي عقب الاجتماع السابع لوزراء خارجية الدول الضامنة لمسار أستانة المتعلق بسوريا، بمشاركة وزراء الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، والروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، عبر تقنية مؤتمرات الفيديو، ان «الوزراء الثلاثة جددوا تمسك روسيا وإيران وتركيا باحترام سيادة ووحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وفقاً للقرار 2254 لمجلس الأمن الدولي». وتابع البيان أن «وزراء الدول الضامنة يأملون في عقد هذا الاجتماع بمجرد أن يسمح الوضع الناجم عن الوباء، بذلك، وبمساعدة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون». وأشار البيان إلى أن القمة المقبلة لرؤساء الدول الثلاث في إطار مسار أستانة ستنعقد في إيران، كما شدد الوزراء على «مواصلة التعاون في إطار مسار أستانة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في سوريا والمنطقة برمتها»، بحسب البيان.
نقلا عن القدس العربي