إن أكثر ما يشد ناظر الأطفال واهتمامهم هي تلك الدمية الجميلة التي يشتريها ويبتاعها الآباء والأمهات لأبنائهم وفلذات أكبادهم. دمى مختلفة الأشكال والألوان والأسماء, أجساد خشبية أو معدنية أو بلاستيكية بلا أرواح, ومع ذلك يعتبرها الأطفال صديقاً ملازماً لهم في كل أوقاتهم, فنجدها في أسرّتهم تنام معهم, أو نجدها بجانب أقلامهم ودفاترهم, أو داخل حقائبهم المدرسية, وربما تكون ملازمة لعلبة الحليب التي تغذي أجسادهم الطرية الغضة.
نعم هي الدمية التي تكون صديقة الطفل في المأكل والمشرب والمجلس, تبعث في حياتهم صخباً, وتملأ أوقاتهم تسلية, وترسم على ثغورهم ابتسامة جميلة باعثة في نفوسنا حبهم وحب الحياة لأجلهم.
بينما في سورية وفي ظل الحرب الدائرة فيها, فقصة الدمية من نوع آخر, والآية معكوسة تماما عن طبيعة العلاقة بين الأطفال ودمياتهم, فالحرب هي من تتسلى, وطفلنا بات دمية بيدها, ولكن الفرق بين الطفل والحرب, أن الطفل برئٌ وطاهر ونقي, فقلبه أبيض وروحه صافية وحياته بسيطة بساطة ابتسامته, أما الحرب فهي الوحش الكاسر الذي لا يعرف مكانا للرحمة داخل قلبه الأسود, يحب الدماء العطرة ويخضب أصابعه بلونها, لا يفرق في “ساديته” المتوحشة بين رضيع وطفل, وبين صغير وكبير, أو بين ذكرٍ وأنثى, فحب القتل يسري مسرى الدماء في عروقه, وخطف حياة الآخرين أحد أهم سماته.
الحرب المستعرة نارها في سوريا, جعلت من أطفالنا دمى متحركة تفعل بها ما تريد, ولكن المشكلة في سلوك هذه الحرب أنها تتعدى على حياة أطفالنا كونها تعتبرهم دمى من حقها أن تقرر مصيرهم, كما يقرر الطفل البرئ مصير دميته الخشبية حين يقوم بكسرها, ولكن أطفال سورية هم ليسوا دمى خشبية, هم أطفال من لحم ودماء كغيرهم من أطفال العالم بأسره, من حقهم أن يعيشوا بسلام وطمأنينة, ومن حقهم أن يبتسموا ويضحكوا بهدوء وصخب, ومن حقهم أن يذهبوا إلى مدارسهم ويحملوا حقائبهم ويكتبوا على دفاترهم أسماءهم وأسماء أهاليهم, بل وحتى أسماء الدمى التي بين أيديهم.
يقود هذه الحرب الوحشية قتلة محترفون, اعتبروا أطفالنا دمىً بين أيديهم, ويحق لهم أن يفعلوا بها ما يحلوا لهم من أساليب التسلية, فقد تجاوزوا كل الحدود والأخلاقيات في أساليب تسليتهم بأطفالنا, حتى أصبحت تلك التسلية مقتصرةً على قتلهم في بيوتهم وأسرة نومهم, وفي مدارسهم وحدائقهم ورياضهم, وبين أحضان آبائهم وأمهاتهم, وفي كل مكان وزمان تطالهم أيادي هؤلاء القتلة العبثية, وترقبهم عيونهم الخائنة الماكرة.
في كل مكان في العالم يختار الأطفال شكل ولون الدمى والألعاب التي يحبونها, إلاّ في سورية نجد أن هذه الحرب هي التي اختارت أطفالنا كدمى بشرية تقع ضحية تسليتها القاتلة على اختلاف أشكالهم وألوانهم وجنسهم, فضحيتها واحدة هي هذا الطفل المسكين الذي جعلت منه الحرب الظالمة دمية فقط, دمية تموت ببطء حرقاً وغرقا وتمزيقاً.
إلى متى سيبقى أطفالنا تلك الدمى المأسورة بيد الحرب القاتلة؟, وإلى متى سيبقى هذا العالم المتخاذل صامتاً عن جرائم الغرباء بحق أطفالنا؟!
اسمع أيها العالم أطفالنا ليسوا دمى متحركة تملكهم هذه الحرب الظالمة, أطفالنا هم بشر كأطفالكم, فإلى متى ستبقون محافظين على صمتكم؟
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود