لا تبدو الأرقام التي تشير لانخفاض حصيلة القتلى فيسوريا خلال الشهر المنصرم مقنعة للعاملين بالمجال الطبي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، إذ يرون أن الخطوة الحقيقية لوقف نزف الدم بشكل كامل تكمن في إيجاد حل سياسي نهائي وفك الحصار عن عشرات المدن والبلدات في كافة أنحاء سوريا.
ويقرّ أبو وائل، وهو أحد الأطباء الميدانيين في غوطةدمشق الشرقية، بأن بداية يوم 27 فبراير/شباط كانت مختلفة بكثير عن اليوم السابق، فالتزام الأطراف المتنازعة بالهدنة أتاح لسكان الغوطة استئناف جوانب من حياتهم كانت متوقفة بسبب الحرب والقصف اليومي.
كما وفرت الهدنة للعاملين في المجال الطبي فرصة الاستراحة من عمل كان يستنزف معظم وقتهم وجهدهم في معالجة الجرحى، ومحاولة إنقاذ حياتهم على مدار الساعة.
هدنة وتفاؤل
ويضيف الطبيب بحديثه للجزيرة نت “لا يخفى على أحد تفاؤل السكان بُعيد تطبيق اتفاق الهدنة. الآلاف عادوا لأعمالهم ومحالهم، المدارس فتحت أبوابها للطلاب، وانخفضت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير خاصة مع دخول كميات من المساعدات والبضائع عن طريق معبر مخيم الوافدين، وعرض التجار لبضائعهم خوفا من الخسارة التي قد تلحق بهم في حال قرب تنفيذ حل سياسي يفضي لفك الحصار”.
وعلى الصعيد الطبي، يؤكد أبو وائل تحسّن مستوى الخدمات الطبية بالغوطة الشرقية خلال الشهر الفائت، نتيجة قلة عدد الجرحى وتمكّن الأطباء من ممارسة عملهم الإنساني ضمن ظروف أقل قسوة.
ولا ينكر الطبيب ذاته خرق النظام لاتفاق الهدنة بشكل شبه يومي، وخاصة منطقة المرج جنوبي الغوطة والتي تشهد حتى اليوم أعنف المعارك نتيجة المحاولات المستمرة لقوات النظام لاستعادة عدد من النقاط وفصلها عن بقية بلدات الغوطة. ويشير إلى استمرار القصف المدفعي من جهة، وانخفاض عدد الغارات الجوية من جهة أخرى.
ولا يشكّل الاتفاق المذكور -من وجهة نظر أبو وائل- سوى “بداية الحل، فهو خطوة ناقصة يجب أن تلحق بخطوات أخرى أكثر جديّة. ما زال أكثر من أربعمائة ألف نسمة محاصرين في الغوطة الشرقية، وهم مهددون بتدهور أوضاعهم في حال استمرار سياسة الحصار وعودة اشتداد المعارك. لا بديل عن فك الحصار ومن ثم وبكل تأكيد إسقاط النظام السوري”.
أحد المشافي الميدانية في ريف دمشق الشرقي خلال فبراير/ شباط الماضي (الجزيرة) |
مفتاح الحل
ويتفق الطبيب حسام رجب، وهو رئيس الهيئة الطبية بوادي بردى مع زميله بالرأي، إذ يرى أن فك الحصار بداية ومفتاح أي حل سياسي للحرب التي قتلت أكثر من 250 ألف سوري وهجّرت أكثر من نصف السكان من منازلهم، وفق إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبالنسبة لرجب، فإن اتفاق الهدنة الأخير فاشل إذ يستثني تنظيمي جبهة النصرة والدولة الإسلامية، مما يعطي النظام السوري ذريعة لقصف أي منطقة في البلاد بحجة وجود عناصر ومقرات للتنظيمين المذكورين.
ويشير الطبيب -بحديثه للجزيرة نت- إلى أن اتفاق الهدنة لم يغير كثيرا من حال قرى وادي بردى غرب دمشق والتي يقطنها حوالي ثمانين ألف نسمة، فالمنطقة بأكملها تعيش وقف إطلاق نار منذ أكثر من عام، ولم يؤد الاتفاق الأخير لأي تغيير يُذكر.
فالحصار -وفق الطبيب- لا يزال مفروضاً على قرى الوادي حيث تمنع حواجز النظام إدخال كافة المواد الطبية ومواد البناء، كما تستمر الأوضاع المعيشية والإنسانية للسكان بالتدهور نتيجة الحرب المستمرة دون توقف منذ خمس سنوات.