بعد مرور اسبوع تتكشف تفاصيل جديدة لحجم الكارثة التي لحِقت بالعاصمة اللبنانية بيروت، ويشعر سكان العاصمة المنكوبة، بأن مدينتهم نامت بين الألغام لتستيقظ على كابوس ترك ندوباً وشقوقاً في عمرانها. وأودى الانفجار المروع بحياة 158 شخصاً وأصاب أكثر من ستة آلاف آخرين، وما زال 21 شخصاً في عداد المفقودين، فيما اعلنت قيادة الجيش إن الآمال تراجعت بالعثور على ناجين. في المقابل، استضافت فرنسا عبر تقنية الفيديو مؤتمراً طارئاً للمانحين شاركت في تنظيمه الأمم المتحدة لتنيسق الاستجابة الدولية في لبنان وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن من واجب القوى العالمية دعم الشعب اللبناني الذي بات فيه مستقبل البلاد على المحك. وأضاف أن عرض المساعدة شمل دعماً لإجراء تحقيق مستقل ذي مصداقية. بدءا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الكويتي صباح الخالد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، مروراً برئيسي وزراء إيطاليا وإسبانيا، شارك 15 رئيس دولة وحكومة في المؤتمر الذي نظم بمبادرة من فرنسا والامم المتحدة. وتمثل في هذا المؤتمر نحو 30 دولةً. وحضره أيضاً رئيس الاتحاد الأوروبي ومديرو منظمات دولية كبيرة، مثل صندوق النقد الدولي والصليب الأحمر. ودعا ماكرون المجتمع الدولي إلى «التحرك سريعاً» وبفاعلية لتصل هذه المساعدات مباشرةً وبشفافية على الأرض إلى السكان، محذراً من «العنف والفوضى». وشدد على ضرورة أن يكون المجتمع الدولي «موحداً» رغم «الظروف الجيوسياسية» المحيطة بلبنان. وقال إنه ينتظر من تركيا، «التي لم تتمكن من الانضمام إلى المؤتمر» وروسيا، أن تقدما دعمهما. وحثّ ماكرون السلطات اللبنانية على «التحرك لتجنيب البلاد الغرق واستجابة للتطلعات التي يعبر عنها الشعب حالياً بشكل مشروع». وقال «علينا أن نفعل جميعاً ما أمكن لكي لا يهيمن العنف والفوضى». وتحدث عن «قوى» لديها «مصلحة في هذه الفوضى»، في إشارة على ما يبدو إلى إيران. الاحتياجات كبيرة الرئيس اللبناني ميشال عون قال خلال المؤتمر إن الاحتياجات كبيرة جداً، ويجب تلبيتها قبل الشتاء، مؤكداً ضرورة أن تكون إدارة صندوق التبرعات الذي سيتم تأسيسه منبثقة عن المؤتمر. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، أعلن مساهمة بلاده بـ50 مليون دولار، موضحاً أنه سيتم الإعلان خلال الأيام المقبلة عن مساهمات إضافية في إعادة إعمار بيروت. وقال إنه ليس بوسع لبنان تجاوز هذه الأزمة بمفرده. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدة مالية قدرها 30 مليون يورو (ما يعادل 35 مليون دولار) على أن تتولى الإشراف على تقديمها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. بدورها، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية تقديم مساعدات فورية للبنان بقيمة 10 ملايين يورو (ما يعادل 11.7 مليون دولار) وأعلنت بلجيكا تخصيص خمسة ملايين يورو (5.8 ملايين دولار) كمساعدات إضافية. وأعلن ماكرون في ختام المؤتمر عن تعهّدات بنحو 253 مليون يورو على المدى القصير لمساعدة لبنان. وأشار البيان الختامي لـ«مؤتمر الدعم الدولي لبيروت» إلى أن المجتمع الدولي وأقرب أصدقاء لبنان وشركاءه لن يخذلوا الشعب اللبناني، وسيعملون بحزم، وبالتضامن لمساعدة بيروت على تجاوز نتائج مأساة الرابع من أغسطس. واتفقوا على حشد موارد مهمة في الأيام والأسابيع المقبلة تحت قيادة الأمم المتحدة، على أن تُسلَّم مباشرةً للشعب اللبناني، بأعلى درجات الفعالية والشفافية. ولفت إلى أنه «بناءً على طلب لبنان، فإن المساعدة من أجل تحقيق محايد وموثوق ومستقل تشكّل حاجة فورية وهي متوفّرة»، مؤكداً أن أن «الشركاء مستعدون لدعم كل من النهوض الاقتصادي والمالي للبنان، ما يستدعي، في إطار إستراتيجية لتحقيق الاستقرار، التزام السلطات اللبنانية بالكامل القيام سريعاً بالإجراءات والإصلاحات». وأمس، قالت وزارة الخارجية السعودية إن «لبنان بحاجة ماسة إلى إصلاحَين سياسي واقتصادي، وإن استمرار الهيمنة المدمرة لحزب الله يثير قلق الجميع، فالكل يعرف سوابق هذا الحزب باستخدام المواد المتفجّرة وتخزينها بين المدنيين». ضغوط على الحكومة وفي مقابل الاهتمام الدولي، والعمل على تقديم مساعدات إنسانية، تستمر الضغوط باستقالة نواب ووزراء، ما يعني أن تباهي المسؤولين بكسر الحصار الغربي عن السلطة الحاكمة أمر غير واقعي. الضغوط مستمرة، في موازاة فتح ثغرات في الجدار ليتلقفها اللبنانيون من باب ترسيم الحدود، والذي سيكون بنداً أول على جدول مباحثات مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل الذي سيزور لبنان حيث سيعمل على أخذ تواقيع اللبنانيين على ملف الترسيم، ما يعني فتح مسار التفاوض الطويل الذي لن يكون منحصراً بالترسيم فقط، على الرغم من وجود توجه لبناني يعتبر أن ملف الترسيم سيمنحهم المزيد من الوقت. أميركياً، لهذا الملف تبعات أخرى، تتعلق بأمن إسرائيل، الصواريخ الدقيقة التي أصبحت مفتوحة على مصراعيها بعد تفجير مرفأ بيروت. أما سياسياً، فواشنطن ستطرح تشكيل حكومة جديدة، قد تكون حكومة محايدة بخلاف الطرح الفرنسي حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث حاول الرئيس ماكرون تسويق تشكيل حكومة جديدة، وترسيم الحدود، وتحييد لبنان عن صراع المنطقة، والدعوة إلى ميثاق سياسي جديد، وأن يؤجل النقاش في مسألة سلاح حزب الله، معتبراً أن هذه الواقعية قد تؤدي إلى إنجاح مبادرته. وكان ماكرون أبلغ ترامب بأن سياسات الضغط الأميركية يمكن أن يستغلها «حزب الله»، داعياً الولايات المتحدة أن «تستثمر مجدداً» في لبنان كي تساعد في إعادة بنائه. في المقابل، يبدو الطرح الأميركي أبعد، وينقسم إلى قسمين، تسوية أولية، بترسيم الحدود، استقالة الحكومة وانتخابات مبكرة. لا تنفصل عن تسوية ثانية أكبر وأشمل، ترتبط بسلاح حزب الله، والمعابر مع سوريا، وتوسيع مهام قوات اليونيفيل العاملة جنوب لبنان بموجب القرار 1701. وكانت وزيرة الإعلام منال عبدالصمد أعلنت استقالتها من الحكومة وقالت إنها تعتذر من اللبنانيين لأن «الحكومة لم تتمكن من تلبية طموحاتهم». كماقال وزير البيئة دميانوس قطارانه كتب استقالته ولن يتراجع عنها. وفي السياق، أفادت معلومات بأنّ «مشاورات تجري بين رئيس الحكومة حسان دياب وعدد من الوزراء حول إمكان تقديم استقالة جماعية بعدما تم إقناع وزيري الاقتصاد راوول نعمة والبيئة ديميانوس قطار بالتريّث في قرارهما بالاستقالة». وأضافت المعلومات أنّ «القرار السياسي اتّخذ بإسقاط الحكومة في مجلس النواب في جلسة استجواب دعا اليها الرئيس نبيه بري الخميس، لكن يبدو أن دياب والوزراء سيسبقون المجلس وتستقيل الحكومة اليوم على الأرجح». البطريرك يعارض عون وكان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي طالب باستقالة الحكومة وإجراء تحقيق دولي على خلفية الانفجار الكارثي في المرفأ، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة. وأكد خلال عظة قداس الأحد أن هذا الانفجار يعد جريمة ضد الإنسانية، مشيرا إلى ضرورة الاستعانة بتحقيق دولي لكشف الحقيقة الكاملة. وأضاف: «لا تكفي استقالة نائب من هنا ووزير من هناك، بل يجب استقالة الحكومة برمتها، إذ باتت عاجزة عن النهوض بالبلاد». وكان رئيس الجمهورية ميشال عون رفض المطالبات بإجراء تحقيق دولي، لأن «الهدف منه تضييع الوقت والحقيقة».
نقلا عن القبس الدولي