عاد الصيف من جديد وجاء موسم قطاف الكرز في ريف مدينة إدلب، وها هي أشجار الكرز تزين بساتين جبل الزاوية ، فقد نضجت ثمارها هذا العام ، بلونها القاني ، لم ينل منها ثنائية الحصار والنار لتكون أملاً للأهالي ومتنفساً لأحزانهم الدفينة وآهاتهم الحزينة وباب رزق يساهم في تحسين أوضاعهم الاقتصادية المتردية.
ورغم تراجع الإنتاج بسبب غلاء الوقود اللازم للسقاية ، ناهيك عن ندرة السماد والمبيدات حتى الماء إلا أن طقوس موسم القطاف ما زالت تعبر عن رونقها ، إذ تعد هوية لجمال ريف إدلب وثقافتها القديمة ولهذه الثمرة نكهة وذكريات أيام مضت يقول أبو بلال(55 عاماً) ” لقد ارتوت أشجار الكرز بدماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ لقد منع الشبيحة جاري أبو أحمد من التجوال في بستانه وتقليم أشجار الكرز الهرمة..” هذا الأمر يضعفها فتصبح بيئة مناسبة للحشرات؛ كونها تحتاج إلى ذلك من أجل تحسين إنتاج الثمار”
عند عدم نزول أبي أحمد عند أوامر الشبيحة أفرغوا الرصاص في صدره غير مكترثين بفظاعة الجرم كونهم يعتقدون أن هذه أوامر يجب أن تنفذ؛ فطاعتهم العمياء لشخص بشار علمتهم التسلط والعنف… سقط جاري جثة هامدة على الأرض وسالت دماؤه الحمراء الزكية لتروي شجرة الكرز المدللة لديه ولسان حاله يقول” لن أتخلى عن العناية بك فأنت لدي كأبنائي.. اشربي لتكون ثمارك بنكهة الموت حين ما يشتهيك الأشرار.. وبنكة التضحية والعطاء حين ما يتلذذ بك الأبناء”
كما أن هناك الكثير من البساتين التي لا يستطيع أهلها الوصول إليها كونها في مرمى النظام تنتظر حباتها الناضجة موسم القطاف، والبعض منها كثيرا ما أصابته القذائف العمياء ولكن يبدو أن الجاني لا يدرك أن الأشجار تموت واقفة، كأصحابها .
يصّرح المهندس شامي أن أريحا تشتهر بزراعة أشجار الكرز نظراً لتوفر التربة البيضاء الرطبة التي تساعد على عملية التهوية المناسبة ، وتصريف المياه بالشكل الأمثل، إضافة إلى توفر المناخ المناسب وعدم حدوث موجات من الصقيع، تقول سلمى من مدينة أريحا(17عاماً) عندي مشاركتي للأهل في قطاف ثمار الكرز، والذي يتميز بنوعين الأحمر الحامض والحلو الذي يميل لونه عادة للسواد، أختار الحامض ، وأسرع إلى جدتي التي تشتهر بصنع ألذ طبخة مشهورة ومشتركة بين الحلبية والريحاوية وهي (اللحم بالكرز) …يا الله شو بيكون طعهما وشكلها بشهي وخصوصاً إنها طازجة.. تربت الجدة على كتفي وهي تدمدم آه .. على أكلات حلب وأهل حلب (جدتي حلبية الأصل ولا تنسى طفولتها وصباها هناك).. صارت شوارعهم وحجارة بيوتهم بلون ثمرة الكرز .. الله يكون معهم ويصبرهم”
تزهر أشجار الكرز في نهاية شهر آذار، وتستمر لمدة 15 يوماً في حين يبدأ قطاف الثمار بدءاً من شهر أيار ولغاية شهر حزيران ، تسر قلوب الناظرين بجمال منظرها وبهاء لونها، ويصنع من ثمارها ألذ الحلويات والمشروبات التي يشتهر بها السوريون ، تدمدم سلمى “سأصنع شراب الكرز وأقدمه للأهل والجيران على موائد رمضان تعبيراً عن حبي لهم وعن استمرار الحياة ، رغم كل الآلام.