لا يمكن المرور على عام 2015 في الولايات المتحدة، من دون الوقوف عند أنطولوجيا “أداء استثائي: كتّاب أميركان عن فلسطين”، التي صدرت مؤخراً عن دار “أور” للنشر، وقامت الروائية الأميركية المولودة في سريلانكا، رو فريمان، بالإشراف عليها وتحريرها. تجمع الأنطولوجيا أصوات 65 كاتباً أميركياً، في الغالب، أو كتّاب يعيشون في الولايات المتحدة، في محاولة لكسر حائط الصمت عن فلسطين في أميركا عامة.
على المستوى العربي، شهدت الولايات المتحدة في عام 2015 فعالياتٍ ثقافية كثيرة، يصعب حصرها في هذه السطور. من الفعاليات اللافتة في هذه السنة، المعرض الاستعادي للفنان اللبناني وليد رعد (1967)، الذي يُقام في متحف الـ”موما” في نيويورك، ويستمر حتى العام المُقبل.
يتضمّن المعرض أكثر من مئتي قطعة تتراوح بين صور فوتوغرافية وفن فيديو ومنحوتات ومجسّمات، إلى جانب تجهيزات وأعمال أرشيفية. من أبرز المواضيع التي يتناولها رعد، العلاقة بين الأرشيف والتاريخ والذاكرة الجماعية والفردية، والعلاقة بين المتخيّل والواقعي للحرب الأهلية اللبنانية.
معرضٌ آخر شهد إقبالاً من الزوار والإعلام، هو “كباريه الحروب الصليبية” للفنان المصري وائل شوقي؛ وأقيم في متحف “موما بي إس 1” في نيويورك. يتناول شوقي في معرضه، وهو الفردي الأول له في أميركا، ثيمة تاريخية معقّدة؛ إذ يسلّط الضوء على الحروب الصليبية وعلاقة الغرب الأوروبي بالشرق العربي والإسلام. لجأ الفنان شوقي إلى وسائط متعدّدة في عرضٍ توزّع على ست صالات، تفاوتت في حجمها ووظائفها.
من الوسائط التي استخدمها، ثلاثية سينمائية تتبع جزءاً من تاريخ تلك الحروب، يستخدم فيها الدمى والموسيقى والرسم. لم تكن الدمى مصنوعة من الخشب وحسب، بل تشكّلت من مواد أخرى، مثل الزجاج والسيراميك، وكانت جزءاً من المعروضات في المتحف، وتركت أثراً لافتاً في العمل الفني المركّب.
في المدينة نفسها، تحديداً في غاليري “ليلى هيلر”، أُقيم معرض بعنوان “كلنا أمريكان” للفنان المصري محمد فهمي، المعروف بـ “جنزير”. تناول فهمي في معرضه مواضيع ورموزاً تنتمي إلى الثقافة الأميركية، مثل مارتن لوثر كينغ ومارلين مونرو والشرطة وغيرها. عرض تلك الأيقونات أو المواضيع بطريقته ونظرته هو لما يحدث على الساحة الأميركية التي انتقل للعيش فيها قبل قرابة سنة.
وعلى الرغم من أن صيت “جنزير” ذاع خلال الثورة المصرية في أعمال الغرافيتي على وجه التحديد، إلا أنه لجأ في أعماله كذلك إلى فن التجهيز ورسم الجداريات والقصص المصوّرة.
في سياق آخر، أُقيمت في نيويورك عروض موسيقية كثيرة؛ إذ لا يكاد أن يمرّ أسبوع، من دون أن يكون هناك عرض أو حفل لافت، خصوصاً تلك التي أقامها “مركز ألوان للفنون”، وهو جهة مستقلّة ترتكز على جهود فردية، وتنظّم حفلات عديدة، ذات ألوان وأنماط مختلفة، مثل مشاركة موسيقيين يقدّمون المقام العراقي، أو عروض لعزف العود، والجاز، والموسيقى العربية عموماً. ومن الأمثلة على الأخيرة، حفل للفنان اليمني عبد الرحمن الأخفش، الذي يقيم في الولايات المتحدة ويقدّم عروضاً لموسيقى بلاده.
تحت عنوان “من الأندلس إلى الأميركيتين: رحلة أغان إسبانية”، قدّمت مغنية السوبرانو والأوبرا الأميركية، لبنانية الأصل، كرستين مور، حفلاً في “مركز لينكولن” النيويوركي؛ جمعت فيه بين الموسيقى الكلاسيكية الغربية، تحديداً الغناء الأوبرالي، والموسيقى والشعر الأندلسيين والعربيين.
في السينما أيضاً، عرفنا حضوراً عربياً لافتاً، يبرز من خلال وصول الفيلم الأردني “ذيب”، للمخرج ناجي أبو نوار، إلى القائمة القصيرة للأفلام المرشحة لأفضل عمل أجنبي في الأوسكار، إلى جانب ثمانية أفلام تتنافس عليها لدورة 2016.
وكانت سبعة أفلام عربية قد وصلت إلى قائمة الأوسكار الأولية للأفلام الأجنبية، منها الفيلم الوثائقي “أوديسة عراقية” للمخرج العراقي/ السويسري سمير، إضافة إلى الفيلم الفلسطيني “المطلوبات الـ 18” لعامر الشوملي وبول كوان (كندا).
لم يقتصر الأمر على الترشيحات فقط، بل ثمّة كتّاب عرب حازوا جوائز أيضاً، مثل الباحث والمترجم الفلسطيني إبراهيم مهوي، الذي نال جائزة “الأكاديمية الأميركية” عن مجمل ترجماته وأعماله البحثية؛ أبرزها كتابه “قول يا طير”، الذي وضعه مع الكاتب والباحث الفلسطيني شريف كناعنة.
يوثّق “قول يا طير” لـ 45 حكاية شعبية من التراث الشفهي الفلسطيني من أصل 200.
حكاياتٌ نُقل أغلبها عن نساء فلسطينيات قرويات؛ جمعها الباحثان وشرحاها وعلّقا عليها، واضعَين إياها في سياقها الاجتماعي. وعن روايته “امرأة لا لزوم لها”، حاز الكاتب اللبناني ربيع علم الدين جائزة “الكتاب العربي الأمريكي” مناصفةً مع الكاتبة المغربية ليلى العلمي عن روايتها باللغة الإنجليزية “The Moor’s Account”.
على مستويات الحريات الفكرية، شغلت الأوساط الأكاديمية والحقوقية الأميركية في 2015 بقضية الأستاذ الجامعي ستيفن سلايطة الذي أقالته جامعة إلينوي على خلفية تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي المندّدة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي.
كل ذلك كتبه سلايطة لاحقاً في كتاب صدر بعنوان “طقوس فظّة: فلسطين ومحدودية الحرية الأكاديمية”. نزاع سلايطة مع الجامعة المذكورة أجبرها على تقديم تعويض له ولمحاميه بقيمة 875 ألف دولار أميركي.
العربي الجديد