عشية قمة إسطنبول الإنسانية التي تعقد الإثنين 23 مايو/أيار 2016.. طالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أوروبا بالترحيب بأكثر من 3 ملايين لاجئ يعيشون حالياً في تركيا، في الوقت الذي حذرت فيه المجموعة الرئيسية التي تشن حملةً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى أن ارتفاع معدلات الهجرة من تركيا يمكن أن يشكل خطراً أمنياً في حالة السماح بانضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي.
وقال الرئيس التركي، إن أوروبا لا تبذل قصارى جهدها في تحمل عبء اللاجئين في تركيا التي تضم حالياً عدداً من اللاجئين يزيد عن أي دولة أخرى في العالم، بعدما أجبرت الحرب الأهلية السورية 2.7 مليون سوري على الفرار نحو الشمال عبر الحدود التركية، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الأحد 22 مايو/أيار 2016.
الرئيس التركي كان قد أدلى بتعليقاته أثناء تنصيب بن علي يلدريم رئيساً للوزراء، بعد استقالة سلفه أحمد داود أوغلو في وقتٍ سابق من شهر مايو/أيار 2016.
جدل في بريطانيا
ويمكن أن تؤدي ملاحظات أردوغان حول الهجرة إلى إشعال لهيب الجدل المتواصل في بريطانيا، حيث زعمت إحدى الحملات التي تطالب بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن المملكة المتحدة تواجه تدفقاً هائلاً من المهاجرين الأتراك إذا ما استمرت عضوية بريطانيا بالاتحاد وتم السماح بانضمام تركيا.
ولفت أردوغان في مقال له نشرته صحيفة الغارديان، نظر القارئ البريطاني إلى نمط مختلف من أنماط تدفقات الهجرة من تركيا، وهو هجرة اللاجئين السوريين.
مكافأة اللاجئين الملتزمين
وكتب أردوغان “ومع دخول الحرب السورية عامها السادس، ندعو العالم إلى أن ينتفض لمواجهة التحدي ووضع آلية عادلة لتقاسم الأعباء”.
وتابع “للسيطرة على الهجرة غير القانونية، يتعين على أوروبا وتركيا التعاون لوضع آليات قانونية، مثل اتفاقية مارس/أذار 2016 من أجل إعادة توطين اللاجئين السوريين.
ومن خلال مكافأة اللاجئين الملتزمين بالقوانين والتأكيد على إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى تركيا، يمكننا إقناع اللاجئين بتجنب المخاطرة بحياتهم في البحر”.
جاءت دعوة أردوغان بعد أيام من قيام الاتحاد الأوروبي بالكشف عن إعادة توطين 177 لاجئاً سورياً من تركيا إلى أوروبا منذ بدء اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا في مارس/أذار 2016.
وأدلى الرئيس التركي بتعليقاته أيضاً عشية انعقاد القمة الإنسانية العالمية للأمم المتحدة بإسطنبول، حيث يجتمع سياسيون من 175 دولة ومسؤولو الحملات من آلاف جماعات المساعدات على أمل إصلاح نظام المعونات والمساعدات.
وللمرة الأولى، يجتمع رؤساء الدول والحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والمنكوبون بالأزمات الإنسانية معاً للبحث عن أجوبة”.
نص المقال كاملًا
حينما تخلى العالم عن سوريا تدخلت تركيا.. والآن يجب على الآخرين المساعدة
رجب طيب إردوغان، الرئيس التركي
يتم اليوم افتتاح القمة الإنسانية العالمية الأولى في إسطنبول، حيث يجتمع رؤساء الدول ورؤساء الوزراء وأعضاء الحكومات من أكثر من 100 دولة ويعكس تقدير الأمم المتحدة لتركيا التي تستضيف حالياً عدداً من اللاجئين يفوق أي دولة أخرى في العالم. لكن مدى الخلل في منظومة المساعدات الإنسانية الدولية يثير الاستنفار.
يعتمد نحو 60 مليون شخص على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة. ووفقاً للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد وصلت أعداد اللاجئين والنازحين إلى أعلى معدلاتها منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية. ونصف تلك الأعداد تقريباً من الأطفال. وتعتمد منظومة المساعدات الإنسانية الحالية إلى حد كبير على منظومة الأمم المتحدة، وتظل تحت رحمة كل دولة على حدة. وتعتبر هذه المشكلة عالمية ولا بد من مواجهتها من أجل سد احتياجات الملايين من المنكوبين جراء الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية كل عام.
تؤدي النزاعات العنيفة إلى مصرع الكثيرين في سوريا وليبيا واليمن كل يوم، بينما تواجه العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا توترات عرقية وكوارث طبيعية. وترمز صور اللاجئين الفارين إلى الحدود وجثامين الأطفال الأبرياء على الشواطئ والأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى مآسي الحياة اليومية في العديد من الأماكن. وسوف تتناول القمة هذه المشكلات الملحة وتسعى لإصلاح الخلل بالمنظومة الإنسانية وتقدم تعهدات طويلة الأجل لتطوير قدرات جديدة. وسوف يجتمع رؤساء الدول والحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص وهؤلاء المنكوبون جراء الأزمات الإنسانية معاً للبحث عن أجوبة.
تعد تركيا ملاذاً آمناً للفارين من ويلات الحروب والدمار والقمع على مدار قرون؛ ونقدم اليوم خدمات الإغاثة الإنسانية في أكثر من 140 دولة بالقارات الخمس. وتظل تركيا في الواقع أكثر بلدان العالم سخاءً، حيث تنفق حصةً أكبر من إجمالي الناتج المحلي على المساعدات الإنسانية بصورة أكبر من أي دولة أخرى.
وما يميز تركيا عن غيرها من البلدان هو التزامها بتحقيق الفارق على أرض الواقع وتغيير حياة الآخرين، بدلاً من تبني أجندات خفية ورسم خطط خيالية أو معاملة المحتاجين بأسلوب ينطوي على الإذلال. فحينما قمت بزيارة الصومال في أغسطس/آب 2011، وجدتُ دولةً تخلى عنها العالم نهائياً. كانت الصومال تشبه الأطلال، فيما اعتبرها البعض دولة فاشلة منكوبة جراء الجفاف والمجاعات والنزاعات. وفي ذلك الوقت، قدمت تركيا تعهداً بمساعدة شعب الصومال على الوقوف مرة أخرى على قدميه، وهي مهمة تمكنت هيئات المساعدات التركية بالتعاون مع شركائها المحليين من إنجازها خلال خمس سنوات. واليوم، لم يكن التقدم الرائع الذي حققته الصومال من أجل تعزيز الاستقرار السياسي ومكافحة الإرهاب وتأمين مواطنيها مصدر إلهام للمنطقة بالكامل فحسب، بل منحتنا جميعاً القوة على مساعدة الآخرين أيضاً.
أما استجابة تركيا للأزمة الإنسانية في سوريا فهي قصة نجاح أخرى. فمنذ تبنت تركيا عام 2011 سياسة الأبواب المفتوحة إزاء اللاجئين السوريين، وتركيا تستضيف حوالي 3 ملايين مواطن سوري من شتى الخلفيات الإثنية والدينية والعرقية والطائفية، وقد رصدت تركيا 10$ مليارات دولار لتوفير الرعاية الصحية والتعليم والسكن الآمن للاجئين السوريين. وفي حين خيب المجتمع الدولي آمال الشعب السوري الذي خسر 600 ألف منهم أرواحهم في الحرب الأهلية فيما أجبر 13 مليوناً آخرون على النزوح والتشرد، ألقيت أعباء المهمة كاملة على كاهل تركيا ودول الجوار السوري لتحمل تبعات وعواقب الصراع الدائر فيها. إننا إذ تدخل الحرب السورية عامها
السادس ندعو دول العالم لصنع آلية عادلة من أجل تقاسم وتشاطر أحمال هذا العبء .
لقد تجاهل المجتمع الدولي بالذات مسؤولياته تجاه الشعب السوري بالتعامي عن جرائم بشار الأسد التي ارتكبها بحق مواطني شعبه. ولم يدرك قادة أوروبا أن عليهم مواجهة المشكلة، إلا حينما ملأ اللاجئون شوارع أوروبا، وبدأت التنظيمات الإرهابية كتنظيم داعش بمهاجمة المواطنين الأوروبيين. لقد كان بالإمكان تلافي وتفادي الكثير من المشاكل الناجمة عن القضية السورية لو كان العالم قد تدخل في المراحل المبكرة لذلك الصراع. لكن الوقت لم يتأخر كثيراً وما زالت الفرصة سانحة إن كان القادة الأوروبيون جاهزين اليوم لتبني الالتزامات الصحيحة.
لكي توضع الهجرة غير الشرعية تحت المراقبة ينبغي على تركيا وأوروبا التنسيق فيما بينهما لصنع أنظمة وآليات ضمن القانون مثل اتفاق مارس/آذار 2016 حول إعادة المهاجرين السوريين. فبمكافأة اللاجئين الذين يتمسكون بإطار القانون وبتوضيح فكرة أن اللاجئين غير الشرعيين ستتم إعادتهم إلى تركيا، لعلنا نستطيع إقناع اللاجئين بعدم المخاطرة بأرواحهم في عرض البحر.
على المجتمع الدولي ألا يغتر بعروض الأسد التي يقول فيها أن رحيله عن السلطة سوف يفاقم من حدة الصراع في سوريا. فلكي نمنح الديمقراطية في سوريا فرصة للازدهار، علينا الالتزام بدحر كل من تنظيم داعش ونظام الأسد معاً بدلاً من الاصطفاف مع أهون الشرّين. على الاتحاد الأوروبي بصفته شريكاً أساسياً في الشرق الأوسط أن يعمل بفاعلية أكبر مع تركيا وغيرها لتطوير حل مستديم.
مخطئ من يظن أن معاناة الشعب السوري ستنتهي من دون بذل المجتمع الدولي لجهود جدية لإنهاء الأزمة والحؤول دون استهداف المدنيين بالهجمات وإنشاء مناطق عازلة آمنة في البلاد في منأى عن يد الإرهاب الإجرامية؛ وعلى مجلس الأمن الأممي أن يتولى دفة القيادة، إذ نهيب بالدول الدائمة العضوية فيه أن تستخدم حق النقض (الفيتو) لتعزيز السلام والاستقرار والأمن حول العالم، بدلاً من البحث عن مصالحها الشخصية ذات الأمد القصير.
سوف يتبنى قادة العالم هذا الأسبوع التزامات حقيقية بإصلاح نظام الإغاثة الإنسانية، لكن قدرة القمة على إحداث فرق هو أمرٌ يعتمد على مصداقية وإخلاص المشاركين واتساع قلوبهم لـ125 مليوناً من إخوتنا البشر. علينا معاً إعادة زرع الأمل في قلوب الفقراء والجوعى والمظلومين. دعونا نجتمع كي نخطو معاً خطوة إلى الأمام نحو مستقبلٍ أكثر سلاماً وأمناً وعدالة
هافينغتون بوست عربي