تتفق جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا على معاداة اللاجئين والأقليات المهاجرة، بحسب دراسات أوروبية، بينما تحمل أغلب تلك الأحزاب الاتحاد الأوروبي مسؤولية تفاقم تلك الظواهر.
ويشير أداء أبرز هذه الأحزاب، في السنوات العشر الأخيرة، إلى تنامٍ ملحوظ في قوتها، قد ينبئ بالمزيد في السنوات القادمة بحسب دراسات غربية، إلا أن عجزها عن التحالف قد يقف عائقاً أمام قدرتها على تحقيق تقدم على مستوى المؤسسات الاتحادية، ولكنها ستسعى للوصول إلى مراكز القرار في دولها والتحكم في مصير بقائها في الاتحاد الأوروبي.
وقد تعززت ظاهرة التطرف اليميني مع تنامي المخاوف في عدد من المجتمعات الأوروبية، من طغيان حالة الاتحاد الأوروبي على خصوصية الدولة القومية، ومن حدوث تغييرات اجتماعية جذرية في الغرب مع ازدياد أعداد المسلمين، الأمر الذي ضاعفه موجات اللجوء الكبيرة التي استهدفت القارة الأوروبية، انطلاقاً من دول إفريقية وشرق أوسطية.
وشكل تحميل تلك الأحزاب الاتحاد الأوروبي القسط الأكبر من المسؤولية عما تعتبره “خطراً” يحدق بدولها، قاعدة التقت على أساسها بعض الأحزاب المتطرفة التي تمكنت من الحصول على مقاعد في البرلمان الأوروبي، وأسست بناءً عليها عدداً من التحالفات.
إلا أن دراسات حديثة لمراكز أوروبية، مثل المركز الأوروبي للسياسات ومؤسسة “روسا لوكسمبورغ”، تفيد بأن ما يفرق تلك الأحزاب يبقى أكثر مما يجمع بينها، حيث تنمو نزعات قومية وعنصرية متطرفة داخل عدد من الأحزاب اليمينية، تجعل من التقائها مع أحزاب من دول أخرى أمراً شبه مستحيل.
وفي حين تبنت أحزاب يمينية متطرفة مواقف أقل تطرفاً في سبيل توسيع قاعدة قبولها في دولها، ولتتمكن من خلق تحالفات، شهد خطاب أحزاب أخرى تطرفاً وجنوحاً نحو الشعبوية.
ففي فرنسا، تمكنت “مارين لوبان” من إحداث تغيير كبير في خطاب حزبها، الجبهة الوطنية، بعد توليها قيادته عام 2011 خلفاً لوالدها، ومؤسس الحزب، جان ماري لوبان، نحو خطابٍ أقل تطرفاً وأكثر جماهيرية، الأمر الذي انعكس على عدد من النجاحات التي حققتها عامي 2014 و2015 في عدد من الاستحقاقات الانتخابية، أهمها الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي، قبل أن تتمكن من تشكيل تحالف داخل البرلمان الأوروبي تحت اسم “تحالف أوروبا من أجل الشعوب والتحرر” (ENF)، مع أحزاب يمينية شعبوية أخرى.
في المقابل، شهد “تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” (AECR)، بقيادة حزب المحافظين البريطاني، انتقالاً من يمين الوسط نحو التطرف والشعبوية ومعاداة الاتحاد الأوروبي، بعد استقطابه عدداً من الأحزاب المتطرفة، هي حزب “الشعب الدنماركي” (DF)، و”الفنلنديون الحقيقيون”، و”البديل من أجل ألمانيا”، و”اليونانيون المستقلون”، عدا عن طغيان الشعبوية والتطرف ومعاداة اللاجئين وحالة الاتحاد على حزب المحافظين البريطاني الحاكم نفسه، الأمر الذي أوصل بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي أخيراً.
أبرز السمات الأيديولوجية لأحزاب اليمين المتطرف والشعبوي
تلفت دراسة حديثة لمؤسسة “روسا لوكسمبورغ” الانتباه إلى أن ثلاثة أحزاب يمينية شعبوية، هي “الجبهة الوطنية” الفرنسي، و”حزب الاستقلال” البريطاني، وحزب “الشعب الدنماركي”، قد تمكنت من تحقيق نتائج كبيرة، سواءً المحلية أوالمؤهلة للحصول على مقاعد البرلمان الأوروبي المخصصة لدولها، إلا أنها فشلت في النهاية من عقد تحالف يجمعها، بل تفرقت في ثلاثة تحالفات مختلفة تحت قبة البرلمان الأوروبي.
وتشير الدراسة في المقابل، إلى تمكن أحزاب اليسار من تشكيل تحالفات كبيرة، الأمر الذي يشير إلى عوائق في الخلفيات الأيديولوجية للأحزاب اليمينية تشكل حواجز بينها، أولها التطرف العنصري، واستحضار التاريخ في خطاباتها وأفكارها واستراتيجياتها، الأمر الذي تجسد في فكرة الانعتاق من حالة الاتحاد، التي أصبحت، إلى حد بعيد، السمة المميزة لأحزاب اليمين المتطرف، وإن كانت تتبنى أفكاراً معتدلة تجاه قضايا أخرى.
وتتبادل “العنصرية” من جهة، وما ترتب عليها من عداء للاتحاد، ومعاداة اللاجئين من جهة أخرى، التأثير والتفاعل، حتى أصبحت الفكرتان متلازمتان بشكل شبه مطلق، بحسب الدراسة، الأمر الذي تسبب بتعمق الخلافات بين تلك الأحزاب في ظل خلافات بين دول الاتحاد حيال مشكلة اللاجئين وتوزيعهم وتحمل أعبائهم وإغلاق الحدود، حيث دفع الخطاب المتطرف من أحزاب يمينية في بعض الدول تجاه دول أخرى بتوتر بين القوى السياسية بينها من مختلف التيارات.
إلى جانب ذلك، تحمل تلك الأحزاب أفكاراً متطرفة أخرى، تزيد من تعقيد التقائها، من قبيل العداء للسامية والعداء للمثلية الجنسية أو العولمة، مثل حزب “يوبيك” المجري، عدا عن انتشار أحزاب تحمل أفكاراً دينية، وأخرى نازية، مثل حزب “الفجر الذهبي” اليوناني.
وينذر بقاء تلك الأحزاب في دوائر ضيقة، وعجزها عن الانفتاح على الفضاء السياسي، بتنامي التطرف لديها، وانتقاله إلى مرحلة الإيذاء المادي، وعدم الاكتفاء بالخطاب المتطرف، وهو الذي بدأ بالظهور فعلاً في عددٍ من الدول والمجتمعات الأوروبية، الأمر الذي يقع ضحيته المهاجرون والأقليات، خصوصاً المسلمة، بالدرجة الأولى.
الأناضول