بعد مرور أربعة أشهر فقط، يمكننا القول إن 2020 قدم عرضا واضحا للمخاطر الوجودية والكارثية التي تهدد استمرارية الجنس البشري على كوكب الأرض.
وقد استعرضت لجنة المستقبل البشري في تقرير لها بعنوان “البقاء والنجاح في القرن 21” عشرة تهديدات كارثية محتملة لبقاء الإنسان، ونشر التقرير على موقع “كونفرزيشن” بتاريخ 25 أبريل/نيسان الجاري.
وتأسست لجنة المستقبل البشري عام 2019، وهي هيئة أسترالية تضم أكاديميين ومفكرين وقادة سياسات، وتعنى بتعزيز الحلول للتهديدات التي تواجه البشرية والكوكب.
تهديدات كارثية للجنس البشري
ذكر التقرير الذي أعدته اللجنة أن فيروس كوفيد-19 ليس إلا واحدا من تهديدات كارثية محتملة لاستمرارية الجنس البشري، وتعد هذه التهديدات العشرة نتيجة حتمية لتغير المناخ، وتشمل:
انخفاض الموارد الطبيعية، خاصة المياه، وانهيار النظم البيئية وفقدان التنوع البيولوجي، ونمو تعداد السكان البشري الذي بات يتجاوز القدرة الاستيعابية للأرض، والاحتباس الحراري، والتلوث الكيميائي لنظام الأرض بما في ذلك الغلاف الجوي والمحيطات.
إضافة إلى تزايد انعدام الأمن الغذائي وضعف جودة الغذاء، والأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، والأوبئة الجديدة غير القابلة للعلاج، وظهور تكنولوجيا جديدة قوية وغير خاضعة للرقابة، والفشل المحلي والعالمي في فهم هذه المخاطر والتصرف حيالها بشكل وقائي.
ويشير تقرير اللجنة إلى أن قدرة جنسنا البشري على إحداث ضرر جماعي لنفسه تتسارع منذ منتصف القرن العشرين، وبلغت التهديدات العالمية من حيث التركيبة السكانية والمعلومات والسياسة والحرب والمناخ والأضرار البيئية والتكنولوجية؛ ذروتها بمستوى جديد تماما من المخاطر.
بحيث يشكل كل منها تهديدا كبيرا على الحضارة البشرية؛ وبالتالي يصبح “خطرا كارثيا”، أو أنه يمكن أن يتسبب في انقراض الأنواع البشرية؛ وبالتالي فهو “خطر وجودي”.
وهذا يعني أنه لا بد من إعادة تقييم وإصلاح العديد من الأنظمة الحالية، بما في ذلك الأنظمة الاقتصادية والغذائية والطاقة والإنتاج والنفايات والحياة المجتمعية وأنظمة الحوكمة، جنبا إلى جنب مع علاقتنا مع الأنظمة الطبيعية للأرض.
مستقبل ونهج
رغم التهديد العالمي الكارثي لفيروس كورونا المستجد، فإنه لا يمكن إنكار آثاره الحميدة في الحد من تلوث الكربون نتيجة الحد من الأنشطة الصناعية، وفي تحول التفكير البشري نحو زيادة النقاش حول الذكاء الاصطناعي، أضف إلى ذلك التغيرات في المشهد الأمني العالمي، خاصة في مواجهة التحول الاقتصادي الهائل.
ومن ثم لا يمكننا مواجهة هذا الفيروس من دون التأثير على مخاطر أخرى بطريقة ما. وأكد تقرير اللجنة حاجتنا إلى الخيال والإبداع ورسم سيناريوهات جديدة للتحديات التي نعايشها مجتمعيا وإنسانيا.
ويؤمن أعضاء اللجنة بأنه من الممكن توقع المخاطر الجديدة؛ فعلى سبيل المثال لو كان صناع السياسات والحكومة في أستراليا أمضوا المزيد من الوقت في استخدام البيانات المتوافرة من علم المناخ لفهم وتخيل المخاطر المحتملة لصيف 2019-2020؛ لربما كان من الممكن توقع حدوث موسم كارثي كالذي حدث بالفعل، ولكان من المحتمل أن تكون أستراليا قادرة عندها على الاستعداد بشكل أفضل له.
وبالقياس على ذلك، يعد كورونا خطرا جديدا، وكان من الممكن الاستعداد له بشكل أفضل إذا كنا أعددنا السيناريو المسبق لاحتمال ظهوره.
الاستعداد للطريق الطويل
يسلط تقرير اللجنة الضوء على فشل الحكومات في معالجة هذه التهديدات العشرة التي نعيشها اليوم، كما ينتقد أوجه القصور، خاصة في التفكير قصير المدى الذي يهيمن على السياسة العالمية؛ الأمر الذي قوّض بشكل خطير قدرتنا على تقليل المخاطر مثل تغير المناخ. وبهذا يمكننا أن نبدأ عملية التحول الإيجابية من التفكير على المدى القصير وصولا إلى المدى الطويل.
وختمت اللجنة تقريرها مشددة على أننا نعيش في أوقات غير مسبوقة من مخاطر كارثية ووجودية، وأن المستقبل البشري يخصنا جميعا، ولا بد من إجراء مناقشات تشاركية شاملة ومتنوعة على مستوى الأفراد والسياسات لتقييم سلوك الجنس البشري على كافة الأصعدة، وانعكاس أفعالنا اليوم على الأجيال القادمة.
نقلا عن الجزيرة