يوم الثلاثاء الماضي، ذكرت وكالة أعماق المرتبطة بـ “الدولة الإسلامية” أن مقاتلي داعش قد استولوا على قرية خناصر من بين يدي الحكومة السورية. وتقع خناصر على طريق الإمداد الرئيسي الواصل إلى الجزء الذي تسيطر عليه الحكومة من حلب، أكبر المدن السورية، وقد كان مهماً جداً في حملة النظام الأخيرة – المدعومة من روسيا وحزب الله وإيران – لسحق ثوار المعارضة الذين يسيطرون على الجزء الشرقي من المدينة. وقد أدت معركة حلب التي بدأت في عام 2012 إلى مقتل عشرات الالاف وتركت أجزاءً كبيرة من المدينة خالية من السكان. يوم الخميس، أفيد أن قوات الحكومة قد استعادت خناصر.
بموجب اتفاق “وقف الأعمال العدائية” الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي من قبل الولايات المتحدة وروسيا، سيسمح للمعركة حول خناصر بالاستمرار، وكذلك العديد من المعارك الأخرى. وينص الاتفاق الذي تفاوض عليه وزير الخارجية جون كيري ونظيره الروسي، وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على أن حكومة الرئيس بشار الأسد ومجموعة من جماعات الثوار وحلفائها، بما في ذلك المدعومة من قبل الولايات المتحدة، سيتوقفون عن قتال بعضهم البعض. ولكنها لا تغطي العمليات التي تشمل أي من المجموعتين، داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة.
بعد مكالمة هاتفية مع البيت الأبيض يوم الإثنين الماضي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الصفقة قد تغير الوضع “جذرياً” في سورية، من خلال إرساء أسس للمفاوضات. وكان الرئيس أوباما أقل تفاؤلاً، لكنه قال إنه يأمل أن تؤدي الهدنة إلى استئناف محادثات السلام بين الحكومة السورية وجماعات الثوار، وستساعد على التركيز مجدداً على هزيمة داعش. (أعلنت الأمم المتحدة عن جولة جديدة من المحادثات يوم الجمعة). وقالت جماعات الإغاثة أنها تأمل أن يسمح توقف القتال بتوزيع المزيد من الغذاء والدواء داخل البلاد، حيث يعيش 400,000 نسمة في المناطق المحاصرة وهم مهددون بالموت جوعاً. يتم تغذية خمسة ملايين آخرين بشكل منتظم من قبل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، التي تنقل المواد الغذائية إلى سورية.
في ظروف مزرية كظروف سورية – حيث قتل نحو نصف مليون شخص، وتم تهجير نصف عدد السكان من ديارهم – فإن أي اتفاق مهما كان حجمه يمكن أن يساعد في تقديم الإغاثة إلى المكروبين يجب الاحتفال به. ومع ذلك، فمن الصعب رؤية الهدنة الجزئية على أنها أكثر من مجرد الإقرار بالوضع الراهن الذي بدأ عندما أصدر بوتين أمر التدخل العسكري الروسي في أيلول الماضي. في ذلك الوقت، كانت الحرب تتجه نحو نهاية مسدودة، ولكن كانت هناك مؤشرات على ترنح نظام الأسد، حتى مع المساعدة الكبيرة من إيران وحزب الله. ويعتمد النظام على الأقلية العلوية في البلاد، من بين أمور أخرى، ولكن حينها لم يكن لديه ما يكفيه من الجنود لإحكام السيطرة على أراضيه.
وقد مكّن الجهد العسكري الروسي حكومة الأسد من إحكام سيطرتها على قطاع المدن الممتد من دمشق إلى حلب واللاذقية حيث تقع قاعدة روسية في سورية، عن طريق توجيه النار في الغالب على جماعات الثوار المدعومة من قبل الولايات المتحدة. وقد تُركت الحملة الجوية ضد داعش لتقع على عاتق الولايات المتحدة في المقام الأول، حيث وقف الحلفاء الآخرون على الهامش بشكل عام. ويقول مسؤولو الإغاثة أن الهجمات المدعومة من روسيا قد أوجدت مائة ألف لاجئ جديد على الأقل وعدد لا يحصى من المشردين داخل البلاد. وتوجه العديد من اللاجئين إلى أوروبا، وهي الهجرة التي بلغت حداً يشبه الثأر من العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا بعد تدخلها العسكري في أوكرانيا. وكان الجزء الغريب الوحيد لموافقة بوتين على وقف الأعمال العدائية هو التوقيت، تماماً قبل نكسة خناصر المؤقتة، حيث يبدو أن الحملة التي تشنها القوات الحكومية لاستعادة السيطرة على بقية حلب تتجه نحو النصر.
بعض جوانب التهدئة الأخرى إشكالية: حيث أعلن قادة تركيا، وهي العضو في حلف الناتو، أنهم لن يحترموا الهدنة فيما يتعلق بالقوات الكردية في سورية، والتي يرون أنها فرع من التمرد الكردي في بلادهم. حتى الآن، كان الأكراد في سورية حلفاء الولايات المتحدة الأكثر فعّالية في مكافحة داعش. أيضاً، حسبما قال مسؤولو الإغاثة، فإن الكثير من السوريين في حاجة إلى الغذاء في المناطق المحاصرة من قبل الجيش. وبموجب الاتفاق، يجب أن تمنح قوافل المساعدات حق الوصول الكامل، ولكن ليس هناك أي ضمان أنه سيتم السماح لها بالمرور.
الأهم من ذلك، ليس من الواضح إن كان “وقف الأعمال العدائية” قابل للتنفيذ – أو إن كان لدى نظام الأسد وحلفائه أي نية في الالتزام بأحكامه. فمنذ بداية الثورة، أشار الأسد إلى جميع معارضيه بأنهم “إرهابيون”، وتعامل معهم جميعاً بنفس الشدة القاتلة، حتى الأطفال. وليس هناك ما يشير إلى أنه سيبدأ بالتمييز بين داعش والنصرة وبين المجموعات التي تشكل طرفاً في الاتفاق. لكن على الأرجح أنه سيستمر في عملياته العسكرية بنفس الطريقة كما في السابق. معرفة وكالات الاستخبارات الغربية بمن من جماعات الثوار يحتل أي الأحياء لا قيمة لها، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الجماعات تتفق أحياناً وبعد ذلك تتفكك. في مثل هذه الظروف، من الصعب أن نتخيل أن الأسد وحلفائه سيوقفون النار – ومن الصعب تخيل أن يوقفها أي شخص من الغرب إن لم يوقفوها هم.
وقد رفضت إدارة أوباما ممارسة أي ضغوط عسكرية أكبر، باستثناء الحملة الجوية ضد داعش، ورفضت إقامة منطقة حظر جوي لحماية المدنيين أو أي شيء أكثر من المساعدة الرمزية للثوار الأكثر اعتدالاً المناهضين للأسد. الأسباب التي استشهد بها الرئيس أوباما لتبرير هذا الرفض ليست أسباباً مقنعة، ولاسيما عندما أشار إلى أن القليل من الجماعات قادرة بما يكفي لتشكل تهديداً حقيقياً على الأسد. ولكن، في غياب القوة الأمريكية، تم إعادة تشكيل ميدان المعركة من قبل الآخرين. فوفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، فقد استنتج كبار مسؤولي الأمن بالفعل أن الروس لن يلتزموا بالاتفاق، ويبحثون عن خطة بديلة لإبقاء الأسد وشركائه في السلطة.
جولة جديدة من المفاوضات، وحتى وقف إطلاق النار الجزئي من غير المرجح أن يغيرا ذلك، أو أن يغيرا البؤس الموجود في أماكن كخناصر.
مركز الشرق العربي