تدفع الضربات الروسية الجوية المتصاعدة عشرات الآلاف من السوريين من مدينة حلب للنزوح تجاه الحدود التركية, وفقا لم قاله رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو, متوقعا موجة نزوح جديدة حتى مع صراع أوروبا للتعامل مع أزمة اللاجئين الحالية.
بعد أسبوع من القصف المكثف في الحرب المستمرة منذ خمسة أعوام, تقول قوات المعارضة شمال سوريا إنهم يفقدون السيطرة على حلب, وذلك سيطرة القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد على معظم مساحة ريف حلب الشمالي. قال داوود أوغلو إن حوالي 70000 شخص هربوا من المنطقة, وأن المدينة تتعرض لتهديد “حصار التجويع”.
متحدثا في مؤتمر لندن للمانحين يوم الخميس الذي جمع أكثر من 10 مليار دولار كتعهدات لمساعدة اللاجئين, دعا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري النظام وداعميه إلى وقف قصفهم لمناطق المعارضة, قائلا إنهم “يسعون إلى التوصل إلى حل عسكري وليس سياسي”.
وسط الانتقادات, عادت روسيا مرة أخرى إلى اتهام تركيا بالاستعداد لتدخل عسكري في سوريا. حيث قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشكنوف :” تسجل وزارة الدفاع الروسية عددا متزايدا من الإشارات على وجود استعداد سري للقوات المسلحة التركية للقيام بعمل ما على الأرض في سوريا”, وهو ما أثار نفيا قاطعا من أنقرة.
تظهر الصور التي التقطت في نهاية أكتوبر ونهاية يناير في نقاط التفتيش على الحدود بين مدينة ريحانلي التركية ومدينة سرمدا في سوريا زيادة في بنية النقل التحتية الثقيلة التي يمكن ان تستخدم لنقل القوات والذخيرة والسلاح, كما أضاف.
ولكن الضربات الجوية الروسية هي التي هيمنت على مواضيع المؤتمر, الذي بدأ بعد يوم واحد على وقف محادثات السلام السورية التي كانت تجري برعاية أممية بعد ثلاثة أيام من الغضب في أوساط وفد المعارضة السورية بسبب حصار المدن والضربات الجوية الروسية المتزايدة.
قالت وزارة االدفاع الروسية يوم الخميس إنها قصفت حوالي 900 هدف في سوريا خلال الأيام الثلاثة الماضية, في حين أن الهدف المعلن للتدخل الروسي هو قتال الدولة الإسلامية, إلا أن مراقبين عسكريين يقولون إن 70% من الضربات على الأقل استهدفت الجماعات المعارضة التي تقاتل لإسقاط الأسد.
قال داوود أوغلو:” عشرات الآلاف من المهاجرين الجدد ينتظرون أمام بوابة معبر كليس الحدودي بسبب الضربات الجوية الروسية والهجمات ضد مدينة حلب.
“من ستين إلى سبعين ألف شخص يعيشون في مخيمات شمال حلب يتجهون الآن نحو تركيا. عقلي ليش موجودا الآن في لندن ولكنه موجود هناك عند حدودنا – كيف يمكن استيعاب هؤلاء القادمون الجدد من سوريا؟ هناك ثلاثمائة ألف سوري يعيشون في حلب يستعدون الآن للتوجه نحو تركيا”.
متحدثا إلى صحيفة الجارديان على هامش مؤتمر المانحين, قال رئيس الوزراء التركي :” فقدنا أملنا وإيماننا بأننا سوف نحصل على أي شئ من الأمم المتحدة .. لقد أنشئت الأمم المتحدة لحماية القيم الإنسانية. ذات مرة ذهب الأمين العام للأمم المتحدة إلى سربرنيتشا في البوسنة لتقديم الاعتذار لأن الأمم المتحدة فشلت في وقف المذابح عام 1995 وأنا متأكد أنه في يوم ما سوف يذهب الأمين العام للأمم المتحدة إلى حلب وإلى مضايا للاعتذار للشعب السوري لأنه لم يوقف المجازر”.
الضربات الجوية الروسية في المنطقة المحيطة في حلب نجحت في إسقاط معاقل المتمردين القوية التي صمدت فيما مضى أمام هجمتين من النظام, وسمحت للقوات الموالية للنظام بقيادة حزب الله الشيعي اللبناني في التقدم تجاه المنطقة الصناعية على الطريق السريع تجاه المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها المتمردون والتي أصبحت منطقة خاوية بسبب ثلاث سنوات من القصف.
سقوط المدينة سوف يشكل ضربة مدمرة للقوات المناوئة للأسد. تسيطر الجماعات المسلحة التي تضم جبهة النصرة التابعة للقاعدة, التي أرسلت عددا ضخما من المقاتلين إلى المدينة الأسبوع الماضي, على النصف الشرقي مدينة حلب منذ صيف 2012. في حين حافظة القوات السورية, المدعومة بصورة كبيرة بأعداد كبيرة من القوات الموالية لها, على سيطرتها على الجزء الغربي من المدينة.
قال أحد قادة المتمردين الذي كان يهم بإخلاء موقعه من قرية حريتان :” إنهم لم يوقفوا القصف. جميع المستشفيات دمرت. لدينا حوالي سبعة هجمات في الساعة كل يوم منذ أسبوع. لقد كان هناك 120 هجوم يوم الثلاثاء لوحده فقط”.
مرددين تحذير داوود أوغلو, قالت مجموعات من المعارضة إن آلافا من سكان ريف حلب توجهوا سيرا على الأقدام إلى الحدود التركية, في رحلة تبعد حوالي 50 ميلا. الطرق المؤدية إلى الجنوب تجاه مدينة اعزاز المجاورة تعرضت هي الأخرى لهجوم روسي بداية هذا الشهر. يقول أحد السكان :” لقد قاموا بكل ما في وسعهم لتدمير خطوط الإمداد. لقد نسي العالم سريعا أن هؤلاء هم من طرد داعش من هنا قبل عامين. لقد أبقيناهم بعيدين عن المنطقة منذ ذلك الوقت”.
قال بان كي مون, الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر لندن :” إن الوضع غير قابل للاستمرار. لا يمكن الاستمرار لهذه الطريقة. ليس هناك حل عسكري؛ الحوار السياسي فقط هو من سوف ينقذ شعب سوريا من معاناته القاسية”.
وأضاف :” من المحبط أن الخطوات الأولى للمحادثات قوضت بسبب عدم السماح بوصول المساعدات الإنسانية, وبسبب الزيادة المفاجئة في القصف الجوي والنشاطات العسكرية داخل سوريا. التركيز على شعب سوريا ضاع أيضا وسط المسائل الإجرائية الصغيرة”.
” جميع الأطراف المنخرطة في هذا الصراع ترتكب خروقات لحقوق الإنسان على نطاق واسع ومروع”.
يأتي تصعيد الهجمات الروسية على الرغم من التزام موسكو بالعملية السياسية لإنهاء الحرب في سوريا, المسئولة عن أكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث والتي ضيعت أجزاء كبيرة من البلاد.
ردا على تقدم النظام في حلب, قال كيري :” الهجوم المستمر من قبل قوات النظام السوري – بدعم من سلاح الجو الروسي- ضد مناطق المعارضة, أضافة إلى استمرار الحصار من قبل الميليشيات الموالية للنظام لمئات الآلاف من المدنيين, يشير بوضوح إلى النية إلى السعي نحو عمل عسكري وليس سياسي”.
كما أضاف :” ندعو النظام ومؤيديه إلى وقف قصفهم لمناطق المعارضة, خاصة في حلب, ورفع الحصار عن المدنيين امتثالا لقرارات مجلس الأمن”.
صرح محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر إنه يأمل في الوصول إلى وقف مباشر لإطلاق النار في سوريا والاستئناف السريع لمحادثات جنيف المتوقفة. وأضاف :” نصر على أن الحل السياسي من خلال المحادثات السورية الداخلية هي الطريق الوحيد للخروج من الأزمة. وعلى اللاعبين الخارجيين أن يسهلوا مثل هذا الحوار وعدم السعي إلى التأثير مخرجاتها أو معالمها”.
ولكن المعارضة السورية شعرت بالغضب من وجود ظريف, بالنظر إلى دور طهران الأساسي في دعم الأسد سياسيا وعسكريا. قال سالم المسلط, المتحدث باسم وفد المفاوضات السورية المعارض :” إيران مدعوة إلى مؤتمر المانحين في لندن في حين أنها مستمرة في كونها أحد القوات الرئيسة المتسببة في المعاناة الإنسانية القاسية للرجال والنساء والأطفال السوريين”.
وأضاف :” إذا أرادت إيران لعب دور بناء, فإن عليها أن تسحب قوات الحرس الثوري الإيراني من سوريا, وضمان أن نظام الأسد سوف يرفع الحصار الذي تسبب بتجويع آلاف السوريين إلى حد الموت في جميع أنحاء البلاد”.
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي